عدد الرسائل : 304 البلد : ام الدنيا العمل : عالمة الطلاب المزاج : زي الفل البلد : مزاجى : نقاط : 622 تاريخ التسجيل : 17/06/2008
موضوع: سي السيد عامل شعره سبايكي الثلاثاء سبتمبر 22, 2009 8:48 pm
بعد أن ضرب زلزال 92 الشهير أرجاء المحروسة، تصدعت بيوت حي منطقة "الحسين" الشهيرة، واضطر الحاج "أحمد عبد الجواد" أن يأخذ زوجته "أمينة" -في بداية زواجهما- للانتقال إلى أرض جديدة "لُقطة" اشتراها من تحويشة العمر في منطقة "فيصل" التي كانت كلها مجرد أراضٍ زراعية، حولها الزحف العمراني، والزيادة السكانية إلى منطقة سكن.. ولأن "أحمد عبد الجواد" الشهير بـ "سى السيد"، كان زير نساء، ورجل الليالي الحمراء مع الغانيات والراقصات، ضمن شلة أبناء الحظ، وعشاق ليالي الأُنس والفرفشة، الذين يسيرون في بيوتهم، أمام زوجاتهم وأبنائهم على الصراط المستقيم؛ بينما يخلعون الطرابيش ويفكون الأزرار في بيوت العوالم، اختار "سي السيد" الأرض الجديدة خصيصاً في شارع "العريش" أحد أشهر الشوارع بين فيصل والهرم؛ حتى يكون قريباً من كازينوهات الهرم السياحية التي تقدم كل أنواع الكيف والحب واللهو والذي منه، طالما كانت محفظة الزبون منتفخة بأوراق البنكنوت. هكذا تربى أبناء "أحمد عبد الجواد" في المنزل الجديد بفيصل، مع أب مزدوج الشخصية، وأم طيبة مخلصة؛ لكنها عديمة الشخصية؛ لذا كان من الطبيعي أمام هذا التناقض بين أب فاسد، وأم طيبة، أن يخرج الأبناء بشخصيات متضاربة ومفككة. فـالابن الأصغر "كمال" كان شيطاناً مريداً، معجون بمياه عفاريت، لذا كان دائم سرقة وصلات الـ"ADSL" الموجودة على السطح ليدخل لجهاز الكمبيوتر لديه خط إنترنت مجاني، بعد أن رفض والده أن يشترك مع الجيران في وصلة نت خوفاً على أخلاق أولاده؛ لكن "ياسين" -الابن الأكبر لـ"أحمد عبد الجواد" من طليقته "هنية"- اكتشف الملعوب، وهدد "كمال" بفضح أمره أمام والده؛ إلا إذا تركه يدخل المواقع الإباحية كما يحلو له؛ فنظر له كمال بخبث وقال بفرحة: "هو شرط صعب وبيخالف أخلاقي بس أنا موافق؛ بشرط إنك تسيبنى أتفرج معاك، مش علشان مش واثق فيك يا ياسين يا أخويا لا سمح الله؛ بس لازم يكون فيه حد معاك علشان يراقب لك الجو ويلحق ينبهك لو بابا جه على غفلة"! فاحتضنه "ياسين" بشدة وعانقه وهو يقول: "بيس يا مان"؛ لكن كلاهما لم ينتبه لوجود الأخت الكبرى "خديجة" التي سمعت اتفاقهما السري، وذهبت مسرعة إلى أختها الصغرى "عائشة"، وقالت لها بفرحة عارمة: "الواد كمال اتفق مع أخوكي ياسين يسرقوا خط إنترنت من الجيران ويوصلوه على جهاز الكمبيوتر اللي جوه، وأنا سمعتهم وهما مش واخدين بالهم، وعرفت إنهم ناويين يدخلوا على المواقع الإباحية ويحمّلوا بلاوي سودا". فما كان من "عائشة" إلا أن "هبدت" على صدرها بخوف وقلق وهي تقول برعب: "يا مصيبتي.. لازم نلحق نقول لبابا وماما بسرعة".. لكن "خديجة" قالت لها بصرامة: "بابا مين وماما إيه يا عبيطة.. إحنا هنستغل النت اللي عندنا ونعمل لنفسنا إيميل، وندخل على الشات بالنهار، وهما برة البيت علشان نتعرف على شباب روشين ونضيفهم ع الماسنجر، ونقضيها، يمكن ربنا يفك عقدة النحس اللي أنا وأنتِ فيها، ونتجوز بقى". فضحكت "عائشة"، وقالت وهي تغمز :"قشطة".
**********
أما "فهمي" الابن الأكبر من "أمينة"؛ فقد أخذته دوامة السياسة، حتى صار يجلس يومياً على مقاهي وسط البلد مع أصدقائه من الشباب المتحمس، حتى صاح فيهم ذات يوم: "إحنا مش ممكن نسيب سعد باشا زغلول في الحيرة اللي هو فيها دي، أنا رحت له من يومين في بيت الأمة لقيته عمال يغني.. طهقان، مخنوق، متضايق.. مجروح، مدبوح، مش فايق، ومرة واحدة مسك اللحاف وقعد ينادى على صفية هانم، ويقول لها غطيني وصوتي عليا يا صفية.. ما فيش فايدة".. علشان كده نصحته إنه لازم يهدي اللعب شوية، علشان يبطلوا يعتقلوه في الرايحة والجاية.. أيْنَعم الشعب بيعتبره بطل في كل مرة يعتقلوه فيها، بس إيش ياخد الريح م البلاط.. لازم نشتغل باستراتيجية جديدة يا إخوانّا، ونستغل استسلام السلطنة العثمانية يوم 30 أكتوبر سنة 1918 في معركة خان طوماي، ونعلن استقلال مصر التام عن السلطنة العثمانية، والوصاية الإنجليزية". وفجأة انفجر أصدقاؤه من الضحك، وصاح فيه أحدهم وهو يتكلم بصعوبة من فرط الضحك: "سعد زغلول مين يا عم الله يخرب بيتك، هتضّحّك علينا بتوع حركة كفاية.. أنت جبت الكلام ده منين؟" فالتفت له "فهمي" بدهشة شديدة وأجاب: "أستاذ نجيب محفوظ هو اللي بيقول مش أنا". فضحك صديقه وتابع: "طب اخلع بس الطربوش وخليك مع إبراهيم عيسى شوية.. إحنا دلوقت في الألفية التالتة.. يعني أزهى عصور الديموقراطية المحمية من قوات الأمن المركزى. وعلى كل متظاهر استخدام واقي ضد العصيان، ومضاد صواعق كهربية". فعقد "فهمى" حاجبيه وتساءل: "طب والإنجليز يا جماعة، والملك، وكلاب السرايا، كل دول راحوا فين؟" فقال له أصدقاؤه في نفاذ صبر: "ما تفوق بقى يا فهمي من اللي أنت فيه ده.. كفاية بقى كفاية!"
فانتبه بعض عساكر الأمن المركزى المارّين بجوار القهوة لكلمة "كفاية"، وأخرج كل منهم عصاه، وانقضوا على القهوة بعنف؛ بينما ترك "فهمي" وأصدقاؤه عصير الزبادي، والشيشة تفاح، وغادروا القهوة مسرعين، وقال أحدهم لـ"فهمي" غاضباً: "الله يخرب بيتك.. عاجبك كده.. أديهم كشفونا، وكلها كام ساعة وهيوزّعوا نشرة بأوصافنا وأشكالنا على النت، ومش بعيد يحطوا مكافأة للي يبلغ عنا، ونروح فطيس". فالتمعت عين "فهمي" ببريق عجيب، وهو يقول: "يبقى أحسن حاجة نعمل إضراب سريع في كل أنحاء المحروسة، علشان الناس كلها تقعد في بيوتها وما حدش ينزل يدوّر علينا.. إيه رأيكم يا جماعة يكون الإضراب ده في يوم 6 أبريل الجاي؟" فصاح فيه كل أصدقاؤه في آن واحد "هو ده".
************
نعود لـ"سي السيد" الذي يربط الكرافت بعناية وهو يدندن أمام المرآة "يااااااااااااي .. سحر عيونه ونظراته.. أول ما تلاقينا عين بعين"، وما إن لمح "أمينة" تتجه نحوه، حتى امتنع عن الدندنة، وعقد حاجبيه وهو يقول لها بصرامة: "أنا مسافر الصين يا أمينة لمدة أسبوعين علشان أظبّط شحنة فياجرا صيني، بعد ما سوق العطارة انضرب في مصر، وما بقتش الوصفات بتاعتنا نافعة.. عايزك تخلي بالك من البيت والعيال، وتحطيهم جوا عنيكي". فربتت "أمينة" على كتفه، وقالت وهي تناوله "الجيل" وعلى وجهها ابتسامة رقيقة: "تروح وتيجى بالسلامة يا أبو السيد". فالتفت لها "سي السيد" بعد أن صفف شعره بالجيل، وارتدى جاكيت البدلة، وقال بحب ورمانسية، وهو يتجه لباب الشقة: "نايتي نايتي يا أمينة".. فضحكت "أمينة" على استحياء، وقالت وهي تنظر للأرض في خجل: "نايتي نايتي يا سي السيد". وما أن انصرف "أحمد عبد الجواد" حتى أخرجت "أمينة" من أسفل الكنبة "قلة" وألقتها على الأرض بقوة، لتحطمها تحطيماً وهي تصيح: "غور داهية لا ترجعك يا بعيد".. ثم نظرت لأولادها شذراً، وقالت لهم بصرامة: "25 سنة والراجل قاعد على قلبي مش عايز يسافر.. أخيراً غار في داهية، وساب لي فرصة أعرف أروح فيها لمحكمة الأسرة علشان أخلعه".. إلا أن الصغير "كمال" بكى بشدة وهو يقول: "لا يا ماما" لكن "ياسين" مال على أذنه وهمس فيها قائلاً: "سيبها تنزل علشان نعرف نقعد ع النت يا مغفل" فالتمعت عين "كمال" وتجمدت الدموع فيها، وهو يتابع قائلاً: "اوعي تروحي من غير محامي، علشان تعرفي تخلعيه بضمير"! فضحكت الست "أمينة" ضحكة مجلجلة وقالت وهي تربت على كتفه: "أنا عاملة حسابي يا ولاه". وما أن ارتدت ملابسها، وغادرت المنزل مسرعة، حتى اقتحم "كمال" و"ياسين" غرفة الكمبيوتر؛ فإذا بـ "خديجة" تضع الهيدفون على أذنها وتقرب المايك من فمها وتقول بصوت مليء بالرقة والدلال: "أنا اسمى ماهيتاب، وبابا وكيل أول وزارة على وش الترشيح إنه يكون وزير، وساكنة في المهندسين.. ها.. هتيجي تتقدم لي إمتى علشان لو كده أجهّز نفسي وأرفض ابن السفير اللي جاي يتقدم لي؟".
بينما "عائشة" تجذب منها الهيدفون والمايك، وتقول بلهجة تفيض بالأنوثة: "وأنا بقى أختها لي لي، وبابا شغال مستشار بعد الضهر، وعلى وش إنه يكون مهندس، وساكنة في الزمالك، وجاي يتقدم لي أخو ابن السفير اللي جاي يتقدم لأختي، ولازم تلحق تفكّر هتختار مين فينا علشان نعمل حسابنا". فإذا بشاشة الكمبيوتر أمامهما يظهر فيها شاب بيجي بيجي، بيروح وييجي، وعلى وجهه "بشلة" مطواة، وصف أسنانه الأمامي لا يوجد به سوى سنة واحدة ذهبية، ويقول بضحكة بغيضة، وصوت أجش: "أنا برضه مامي جايبة لي عرايس كتير كلهم لقطة، وآخر جمال، بس قلبي مرتاح لكم، وناوي أخدكم شروة واحدة أنتم الاتنين بالصلاة ع النبي". فإذا بـ"ياسين" يصيح فجأة: "الواد ده اسمه مليجي، ومن منشية ناصر، وعليه 3 سنين حكم غيابي في قضية بانجو.. آه يا بنات مش متربية، ماشيين على حل شعرها، ومش لاقيين ويب سايت يلمكم". بينما يخرج "كمال" موس حلاقة من فمه، ويصيح فيهم: "أقول لصحابي اللي في القهوة إيه.. إخواتي البنات بقوا مزز بيصطادوا عرسان من ع النت.. أنا لازم أسيح دمكم". فاندفعت "عائشة" لتقبل يد "ياسين" وهي تقول في رعب: "استر عليا يا أخويا لجل النبي". بينما أخرجت "خديجة" كارت فيزا، وأعطته لـ"ياسين" بأصابع مرتعشة، وهى تقول: "ده كارت فيزا فيه كل اللي حيلتي.. عملته في البنك الأهلي علشان أعمل شوبنج في كارفور، خده ويا دار ما دخلك شر". فأخذه "ياسين" وفي عينيه صرامة الدنيا، ثم مال على أذن "كمال" وهمس قائلاً: "مصلحة.. إحنا هنعمل نفسنا سامحناهم ومش هنكبر الموضوع، وإحنا أولى بالفيزا نحمّل بيها كام صورة على كام فيلم"؛ إلا أن "كمال" هز رأسه في غضب وقال: "ما ينفعش يا ياسين.. وبعدين أنا معايا كروت فيزا مسروقة قد كده، ومش محتاج منها حاجة"؛ لكن "ياسين" قال له بحزم: "برضه هنحتاجها في أي خروجة.. المينيمام شارج غلي في كل الكافيهات بعد الأزمة العالمية". فهز "كمال" رأسه وقال بامتعاض: "موافق المرة دي علشان خاطرك بس يا سون سون؛ لكن المرة الجاية مش هياكل معايا الكلام ده، وأقل واجب هنقلعهم الغوايش بتاعتهم". وبسرعة غادرت "خديجة" و"عائشة" الغرفة، ليقفز "ياسين" و"كمال" على المقعد المواجه لشاشة الكمبيوتر، وفي عين كل منهما ابتسامة شيطانية، قبل أن يضغط "كمال" على بعض أزرار الكيبورد؛ بينما يخرج "ياسين" لسانه بنهم، وترقب. وبعد الانتهاء، من كتابة اسم الموقع، الذي دخل عليه جهاز الكمبيوتر، أخرج "كمال" سيجارة ملغمه، وغمز بعينه لـ"ياسين"، وهو يناوله إياه قائلاً بخبث: "صبّح صبح يا عم الحاج". فأخذه "ياسين" بطرف يده دون أن تبتعد عيناه عن شاشة الكمبيوتر، وفجأة اقتحم أحدهم الباب على مصراعيه، ليصطدم الباب بالحائط في دوي عنيف؛ بينما نهض "ياسين" مسرعاً ليغطي شاشة الكمبيوتر بظهره، وكذلك فعل "كمال" وعين كل منهما تنظر برعب وتوتر تجاه القادم الذي ظل ينظر لهما جامد.. جامد.. جامد.